عندما تتلاشى حنكة الحميدية ودهاء البازار

بإصراره على الخيار الأمني، وهو المساوي لسفك الدماء ورفض الإصلاح والسير في خيار الاستبداد والفساد، يزداد النظام السوري ضعفا، فينخره الوهن والعزلة، وينتقل العالم والعرب، وبسرعة، من معاملته كنظام يحتاجون إليه، إلى نظام منبوذ، ينبغي التخلص منه لأنه أصبح من زمن ماض، وعبئا على بلده.

ولأن حنكة سوق الحميدية قد غادرت القيادة السورية، أصبح الآخرون يعاملونها بالأمر والتحذير والانذار، آخرهم تركيا، التي منحت الرئيس الأسد مهلة 10 – 15 يوماً كي ينفذ "المطلوب منه". وهذا، في العرف الدبلوماسي، إهانة شديدة لمن يوجه إليه.

وإلى إغلاق الأبواب والنوافذ أمام إصلاحات جدية تستجيب لطموحات الشعب السوري المنتفض، شرعت القيادة السورية أبواب الانقطاع عن العالم، حتى اقترب طوق العزلة حولها من إكمال حلقاته. ولم يبق إلى جانبها سوى حكومة المالكي في بغداد، وحكومة لبنان الواقع في أسرها، وبالتأكيد، طهران.

القيادة الإيرانية أيضا، تبدو في هذا الموقف، وقد تبدد من بين أصابعها كل دهاء البازار. فهي توظف إمكانات ضخمة، وتغامر بالكثير من مصداقيتها، لبعث الحياة بنظام تخطاه الزمن، ولم يعد شعبه يريده، فوضعت الرهان على حصان، غاية في الضعف، ومن الصعب جدا أن يبقى لآخر السباق.

وبات واضحا أن النظام السوري، وجريا على عادته في تحيّن الفرص، يراهن على فشل الحملة العسكرية للناتو في ليبيا، وعلى متاعب الولايات المتحدة والغرب المتزايدة جراء الأزمات المالية، وكذلك على قدرته التخريبية، خاصة في لبنان والعراق، وأخيرا التهديد بأن أي عمل عسكري يستهدفه سيؤدي إلى حرب إقليمية.

هذه الرهانات تبقى غير متينة، وواهية وهي محكومة باحتمالات عدة، ليس من المؤكد أنها ستأتي كما تشتهي القلة الحاكمة في دمشق، أو حكام طهران الراغبون في إبقاء دور فاعل لهم خارج حدود بلدهم.

إيران الرهان الحقيقي الباقي للنظام السوري، وقد عززه الدفق النقدي الذي تجود به طهران، والمساعدات الفنية واللوجستية، التي يبقى معظمها سرياً، إذ ليس معروفاً كيف ينسق القائمون على النظام في إيران مع نظرائهم السوريين في المرحلة الراهنة، لمواجهة ما يتعرض له النظام السوري سوى ما يتعلق بالحملة الإعلامية التي تركز على أربعة محاور سورية تعزف فيها الوسائل الإعلامية التابعة لحلف طهران – دمشق، وهي:

1 - إن التحرك العربي والتركي تجاه سوريا يتم بتوجيه أميركي. وهذا تحريض لم يعد له تأثير يُذكر على الرأي العام العربي، الذي لم "يشتم" أميركا منذ انتفاضة تونس، نهاية العام الماضي.

2 - الوقائع الميدانية التي ستُفرض على الأرض، تظل هي الأساس. وهذه مقولة تبرر القمع وتراهن على أن ينجح الخيار الأمني في إجهاض الانتفاضة.

3 - إن بديل النظام البعثي هم الإسلاميون المتطرفون، وتمثل هذه الحجة تبريراً سافراً للهروب من الموقف المبدئي الذي يحتم احترام خيارات الشعوب.

4 – التلويح بحرب إقليمية ستنشب إذا اعتُمد الخيار العسكري ضد النظام السوري. والسؤال هل يستحق هذا النظام ان تحرق إيران وحزب الله كل أوراقهما من أجله؟!

لكن قراءة الواقع القائم في المنطقة، لا تشي بأن في إمكان إيران المضي إلى مدى بعيد في إسناد النظام المتداعي في دمشق. أولاً لأن طهران ليست في وضع يسمح لها بمثل هذه الحركة المتمادية، ولا هي في وارد التخلي عن براغماتية تقودها إلى تصيد صفقة كبرى لا يستبعد أن يكون الغرب في واردها، ومن ثم يصبح الرهان السوري على طهران أشبه بحال الغريق الذي يتمسّك بقشة.. والقشة لا تنجيه. هذا إذا استعادت القيادة الإيرانية حنكة البازار وحكمته.

المصدر: القدس

0 التعليقات:

إرسال تعليق

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More