احداث الشغب في لندن فعل مثير للخجل وهي نتاج سياسة استبعاد وتهميش

اثار العنف الفوضوي الدائر في بريطانيا واجتاح مدنها من الجنوب الى الوسط والشمال الى طرح اسئلة كثيرة حول مسببات الشغب وحرق المباني ونهب المحلات وترويع السكان بطريقة ادهشت الكل، حيث قام شبان بنهب المحلات لمجرد النهب او كما قالت فتاة ان الخروج على القانون اظهر للشرطة والاغنياء 'ان بامكاننا ان نعمل ما نريد'، وفي ظل الدخان الذي تصاعد من المباني ومناظر المحلات المنهوبة والشبان (من اصحاب القلونسات) والشابات من كافة الالوان والاجناس وهم يحملون ما نهبوه تسابق الجميع للوم الدولة وسياستها التقشف ان في مجال الصحة والامن او التعليم، فالشبان الذين خرجوا للشوارع ما هم الا جيل ضائع لا مستقبل امامه، عاطل عن العمل بدون تعليم، ويسكن في مناطق سكنية متداعية ويرتع فيها الاجرام.

وعليه يظل من المستبعد ان يكون مقتل شاب يوم السبت برصاص الامن سببا كافيا لخروج الغوغاء للشوارع والنهب بحصانة وبدون خوف.

ومن هنا وصفت التعليقات التي 'اخجلت' بريطانيا وجلبت عليها العار ووصف تعليق المشاهد بان بريطانيا شهدت اعصار 'كاترينا'.

ويظل مشهد الشباب وهم يسرقون المحلات مثيرا للتساؤل فهو بالنسبة لنواب لم يأت من لا مكان.

ومن هنا فان العنف كشف عن ثقافة الشباب ومشاكلهم داخل المجتمع، ومما ساعد على هذا الوضع هو ان الميديا الاجتماعية ربطت بين ابناء المجتمع بطريقة لم تكون معهودة.

ففي واحد من تلفونات بلاكبيري وزعت رسالة حول لندن يوم الاثنين حيث طالب احد المشاركين بالشغب زملاءه بالتسلح والخروج الى الشوارع وفي الرسالة 'على كل واحد الانتشار مثل النار في الهشيم وكل لندن مدعوة' وقالت الرسالة 'رعب حقيقي وشغب واشياء مجانية'، 'فقط هشم نوافذ المحلات والسيارات وكل شيء تريد'.

ويظل العنف في شوارع لندن مختلفا عن الاحتجاجات التي عمت اليونان واسبانيا وكانت ذا طابع سياسي بسبب الاوضاع الاقتصادية. ففي بريطانيا بدا العنف لاسياسيا وذات طابع اناني وجشع. حيث قام الغوغاء بنهب وتدمير محلات تجارية بعضها يعود عمره الى 144 عاما، فيما اظهرت صور الكاميرات المغلقة مدى الوقاحة التي تميز بها بعضهم من سرقة جريح وتركه وهو ينزف بعد اخذ محفظته.

ولم يفرق الغوغاء بين غني وفقير بل قاموا بحرق وتدمير دراجات وسيارات تعود للفقراء. فيما قامت عصابة بمداهمة مطعم معروف في غرب لندن وفي الحي المعروف نوتينغ هيل وسرقت مرتاديه. وكشف العنف العشوائي عن عجز الحكومة وادى الى تبادل للاتهامات بينها والمعارضة، حيث اتهمت الحكومة الوضع بانه من صنع 13 عاما من حكم العمال، فيما اتهمت المعارضة الحكومة بانها مسؤولة عن الوضع بسبب سياسات التقشف، ومن المتوقع ان يشهد البرلمان اليوم جلسة حامية حيث سيقدم ديفيد كاميرون، رئيس الحكومة بيانا على عمل وحدة كوبرا التي نشرت في شوارع لندن وتقريرا عن الوضع.

وايا كان المسؤول عن الوضع فان المتضرر الوحيد هو الحكومة التي ظهرت وكأن الاحداث خارجة عن سيطرتها، فيما وقف رجال الشرطة في الايام الاولى عاجزين ومتفرجين على الغوغاء وهم ينهبون المحلات.

واعلن كاميرون يوم امس ان خراطيم المياه ستكون متوفرة للشرطة حالة طلبها.

ويرى مراقبون ان انفجار الشبان بهذه الطريقة لم يكن وليد اللحظة بل نتاج عملية كانت تغلي ومنذ عدة اعوام. وفي السياق نفسه لامت صحف اليمين رئيس الوزراء على اجباره قادة الشرطة خاصة بول ستفينسون مفوض الشرطة العام على الاستقالة بسبب فضيحة التنصت، حيث اعتقدت هذه الصحف ان ستفينسون هو المؤهل للتعامل مع وضع كهذا.

ومما يثير الدهشة هي الوقاحة التي تميز بها من خرجوا للشوارع حيث سخروا من نائب كاميرون ـ نيك كليغ، ومن عمدة لندن، بوريس جونسون الذي رأى في الشغب نتاجا لسوء التربية وغياب الاخلاق و محاولة لتنفيس الغضب. ولكن عدد ممن تحدثوا للاعلام البريطاني ردوا العنف خاصة الحادث الذي ادى لمقتل الشاب في شمال لندن الى العلاقة السيئة بين الشرطة وابناء الاقليات خاصة السود الذي يتعرضون للايقاف والتفتيش الدائم، فيما رأت صحف اليمين التي تعارض المهاجرين ان الاحداث هي نتاج من نتاجات ثقافة التعددية.

ورأت صحيفة 'اندبندنت' في احداث الاربعة ايام لحظة مهمة للحكومة وقارنتها بلحظة بوش مع نيواورليانز واعصار كاترينا عام 2005 حيث فشلت الحكومة الامريكية باصلاح المجتمع وحمايته، وبالمقارنة فان الطبقة السياسية في بريطانيا فشلت باصلاح الجسور الاجتماعية لحماية المجتمع من هذا العنف. وقالت ان هذه الجسور انفجرت في نهاية الاسبوع الماضي وواجه المجتمع اكمله نتائجها القبيحة. واكدت الصحيفة ان العنف ليس عنفا سياسيا باجندة فاجندة الغوغاء هي النهب التدمير لداعي التدمير.

واكدت ان العنف لم يكن مدفوعا بالتواصل الاجتماعي وشبكاته كما انه ليس عنفا مدفوعا بدوافع عنصرية كما حدث في في احياء السود في ثمانينات القرن الماضي.

فالغوغاء في عام 2011 هم من عرقيات مختلفة، وتنفي ان يكون هناك دافع للتعبير عن الغضب ضد الشرطة وهو ما كان واضحا في العقد الماضي.

وترى ان الظاهرة هذه يجب ان تفهم على انها تعبير غاضب من طبقة دنيا مستبعدة، فالغوغاء هم مجموعة شعرت انها تعيش على الهامش ولا دور لها في الحياة العامة للبلاد وعليه لم تجد سوى الشارع لكي تعبر عن وجودها، ووجد شباب وشابات وحتى صبيان الفرصة للسرقة وحرق المحلات وتحدي السلطة.

وترى ان الكثير من الذين شاركوا في اعمال الشغب هم شبان غير متعلمين وعاطلون عن العمل ولا يشعرون بالانتماء للمجتمع. فهذه المجموعة المهمشة والتي تعاني من فصام عقلي هي من قامت بترويع الشوارع خلال الايام الماضية.

ومقارنة مع اعمال الشغب في الاحياء الفرنسية فان من قاموا بها هم مهمشون ولا يعيشون في قلب المجتمع مثل غوغاء بريطانيا عام 2011. والمفارقة ان هؤلاء يعيشون في داخل بريطانيا الثرية ولكن لايشعرون بانهم ينتمون اليها. وما تشيره الاحداث الاخيرة ان ثقافة الفصل والغيتو قد لا تكون جغرافية وجسدية ولكنها قد تعبر عن حالة عقلية.

علامات هذا الوضع كانت واضحة منذ سنوات في عنف الشباب وثقافة السكاكين، وحالات السرقة في الحافلات والقطارات. ومن يتحمل مسؤولية هذا الوضع هي المؤسسات المسؤولة عنهم ـ الصحة والتعليم والاسكان والتي تخلت عنهم.

لان ما جرى لم يكن نتاج هبة غوغائية بل نتاج فشل سنوات عديدة.

يأمل الكثيرون ان تكون ثورة غوغاء القلونسات الاخيرة وان تتعلم الحكومة من دروس الفشل الاولى وتلتفت الى مشاكل المجتمع قبل تفاقمها.

المصدر: القدس العربي

0 التعليقات:

إرسال تعليق

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More